ثنائية البداوة والحضارة في الشعر العباسي (علي بن الجهم أنموذجا)

قبل الخوض في تناول الأوصاف البدوية في شعره ابن الجهم ، وجدت لزاما ًعلىّ أن أتطرق إلى تعريف البادية لغة واصطلاحاً .
وردت الكلمة في المعاجم اللغوية بمعان مختلفة، إلا أنها تجتمع في النهاية، ومن ذلك ما جاء في "لسان العرب" لابن منظور " بدا الشيء يبدو بدواً ، وبداء: ظهر، وأبديته أنا : أظهرته . وبداوة الأمر: أول ما يبدو منه ،وبادئ الرأي أي ظاهره. وكل شئ أظهرته ، فقد بديته ، " ^([1]).
ويتفق مع ما سبق ما جاء في " القاموس المحيط " للفيروز أبادى ، فيقول في مادة " بدا " " بدا بدواً وبداءة : ظهر وأبديته وبداوة الشيء أوله ما يبدو منه ، وبادئ الرأي ظاهره ، وبدا له في الأمر بدواً وبداةً نشأ له فيه رأى وهو ذو بداوات وفعله بادي بدء وبادي بَدٍ وبادي بداً أصلها الهمز ، وذكرت بلغاتها "^([2]).
وقد وردت كلمة " البدو " بمعنى الخروج إلى البادية وسكناها، ففي اللسان : " بدا القوم بداءً خرجوا إلى البادية . وقال الليث: البادية اسم للأرض التي لا حضر فيها، وإذا خرج الناس من الحضر إلى المراعي في الصحارى قبل : قد بدوا والاسم : البدو "^([3]).
وجاء في "أساس البلاغة" : " لقد بدوت يا فلان : أي نزلت البادية وصرت بدوياً ،ومالك والبداوة ؟ وتبدى الحضري ، ويقال : أين الناس ؟ فنقول قد بدوا ، أي خرجوا إلى البدو "^([4]) . ويرد هذا المعنى عند صاحب "تاج اللغة"، فيقول : " ....... وبدا القوم بدواً ، أي خرجوا إلى البادية ، مثال قتل قتلاً ، وتبدى الرجل أقام بالبادية ، وتبادي تشبه بأهل البادية ، والبدي اسم وادٍ لبنى عامر "^([5]) .
أما البداوة كمصطلح ، فهي ضد الحضارة ، وهما سمتان للحياة الاجتماعية في كل عصر ، فالانتقال يتم تدريجياً من الصورة الأولى بخشونتها وشطف عيشها إلى الثانية بما لها من نعومة وترفه ، ويقول ابن خلدون : " إن عمر الدولة لا يعدو في الغالب ثلاثة أجيال ، لأن الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العيش والبسالة والافتراس ... "([6]).